أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 24 ربيع آخر 1444هـ ، الموافق 18 نوفمبر 2022م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 نوفمبر 2022م بصيغة word بعنوان : دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 نوفمبر 2022م بصيغة pdf بعنوان : دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية ، للدكتور محمد حرز.

 

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 18 نوفمبر 2022م بعنوان : دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية.

أولًا:مصرُ وما أدرَاكَ ما مصرُ؟

ثانيًا: مصرُ أولًا ثم جاءَ التاريخُ .

ثالثًا وأخيرًا : مصرُنَا مَسْؤولـيّةُ الجميعِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 18 نوفمبر 2022م  بعنوان : دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية : بناء لا هدم : كما يلي:

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: دورُ مصرَ في بناءِ الحضارةِ الإنسانيةِ. محمد حرز بتاريخ: 24 ربيع الأخر 1444هــ –  18 نوفمبر 2022م

الحَمْدُ للهِ الذِي مَنَّ عَلَينَا بِوَطَنٍ مِنْ خِيرَةِ الأَوطَانِ، وَنشَرَ عَلَينَا فِيهِ مَظَلَّةَ الأَمَنِ و الاستِقْرَارِ، الحَمْدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِين﴾ يوسف: 99وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقِهِ وخليلُهُ، إمامُ الأنبياءِ وإمامُ الأتقياءِ وإمامُ الأصفياءِ وسيدُ المرسلين وخاتمُ النبيين وقائدُ الغرِّ المحجلين وصاحبُ الشفاعةِ العُظمى يومَ الدينِ، وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام.

أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (أل عمران :102

 أيُّها السادةُ:  ((دورُ مصرَ في بناءِ الحضارةِ الإنسانيةِ  ((عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية ، للدكتور محمد حرز

أولًا:مصرُ وما أدرَاكَ ما مصرُ؟

ثانيًا: مصرُ أولًا ثم جاءَ التاريخُ .

ثالثًا وأخيرًا : مصرُنَا مَسْؤولـيّةُ الجميعِ.

أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن دورِ مصرَ في بناءِ الحضارةِ الإنسانيةِ، لنُعلِّمَ الدنيا كلَّهَا مَن هي مصرُ ، وخاصةً وهناكَ دعواتٌ مِن آنٍ لآخرٍ الهدفُ منها النيلُ مِن مصرِنَا الغالية، فمصرُنَا الغاليةُ مستهدفةٌ مِن الداخلِ والخارجِ مِمَّن يريدونَ النيلَ منها ومِن أمنِهَا واستقرارِهَا؛ لتعمَّ الفوضَى والخرابُ والهلاكُ والدمارُ، ولا حولَ ولا قوةَ إِلّا باللهِ ، وخاصةً وأنَّ وطنَنَا مصرَ في حاجةٍ إلى سواعدِ الجميعِ في البناءِ لا الهدمِ والاستقرارِ لا الاضطرابِ والتنميةِ لا التدهورِ والتقدمِ  لا التأخرِ والرقيِّ لا التخلفِ والازدهارِ لا الانحطاطِ.

بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمِي ***يُمَجِّدُهَا قَلْبِي وَيَدْعُو لَهَا فَمِي

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية

أولًا:مصرُ وما أدرَاكَ ما مصرُ؟

أيُّها السادة: مصرُ وما أدراكَ ما مصرُ ؟ مصرُ عطرٌ يفوحُ شذَاهُ وعبيرٌ يسمُو في علاهُ، مصرُ وما أدراكَ ما مصرُ ؟ مصرُ في القلبِ والقلبُ في مصرَ، مصرُ نِعْمَةٌ عظيمةٌ ومنةٌ كبيرةٌ مِنْ نعمِ اللهِ العَظِيمَةِ علينا الَّتِي لا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ وَلا تُسَاوَمُ بِالأَمْوَالِ وَالأَرْوَاحِ، بَلْ تُبْـذَلُ الأَمْوَالُ لأَجْـلِهَا وَتُرْخَصُ الأَرْوَاحُ فِي سَبِيلِ وَحْدَتِهَا وَالدِّفَاعِ عَنْهَا ، مصرُ وما أدراكَ ما مصرُ ؟مصرُ الغاليةُ صَخرةُ الإسلامِ العاتية. مصرُ التي نحبُّهَا ونعشقُهَا، مصرُ وما أدراكَ ما مصرُ ؟ مصرُ بلدُ الأنبياءِ، مصرُ بلدُ الأولياءِ والصالحين، مصرُ أرضُ الكنانةِ، مصرُ أمُّ البلادِ، وموطنُ المجاهدين والعُبادِ، قهرتْ قاهرتُهَا الأمَمَ، ووصلتْ بركاتُهَا إلى العربِ والعجمِ، سكنَهَا الأنبياءُ والصحابةُ والعلماءُ. مصرُ وما أدراكَ ما مصرُ ؟ هي الأرضُ الوحيدةُ التي تجلَّي ربُّنَا عليها و تكلمَ فيها مع نبيِّ اللهِ موسَى عليه السلامُ ..  مصرُ وما أدراكَ ما مصرُ ؟ !! هي الدولةُ الوحيدةُ التي ذُكِرَتْ في القرآنِ صراحةً  !!  هي الدولةُ التي قُرِنَ اسمُهَا في القرآنِ بالأمنِ و الأمانِ!! هي الدولةُ التي اقترنَ اسمُهَا بخزائنِ الأرضِ في القرآنِ !! هي الدولةُ التي اقترنَ اسمُهَا و شعبُهَا ‏بمباركةِ اللهِ في الإنجيلِ .!! مصرُ وما أدراكَ ما مصرُ ؟ هي الدولةُ التي علمتْ العالمَ الكتابةَ و نشأَ مِن أهلِهَا سيدُنَا إدريسُ عليه السلام أولُ مَن خطَّ بالقلمِ في التاريخِ!! الدولةُ التي لجَأَ إليهَا سيدُنَا إبراهيمُ عليه السلامُ مِن ظلمِ أهلهِ!! هي الدولةُ التي لجأَ إليها سيدُنَا يعقوبُ عليه السلامُ و إخوةُ ‏يوسف عليه السلام مِن المجاعةِ!!هي الدولةُ التي لجأتْ اليها السيدةُ العذراءُ و سيدُنَا المسيحُ عليه السلامُ !! هي الدولةُ التي لجأَ إليها آلُ بيتِ سيدِنَا مُحمدٍ بعد مَا تمَّ مطاردتهُم و تقتيلهُم و نُكِّلَ بهم في العراقِ و الشامِ!! هي الدولةُ التي أوصَي بها و بأهلِهَا خيرًا  نبيُّنَا مُحمدٌ ﷺ هي مصرُ !! حتى إنَّ السيدةَ زينبَ رضي اللهُ عنها دعتْ لمصرَ و شعبِهَا دعاءَهَا الشهيرَ  ” يا أهلَ مصرَ، نصرتمُونَا نصركُم اللهُ، وآويتمونَا آواكُم اللهُ، وأعنتمونَا أعانكُم اللهُ، وجعلَ لكم مِن كلِّ مصيبةٍ فرجًا ومِن كلِّ ضيقٍ مخرجًا. هذه هي مصرُ ياسادة،  فكم لمصرَ وأهلِهَا مِن فضائلَ ومزايا! وكم لها مِن تاريخٍ في الإسلامِ وخفايا! منذُ أنْ وطئَتْهَا أقدامُ الأنبياءِ الطاهرين، ومشتْ عليهَا أقدامُ المرسلينَ المكرمين، والصحابةِ المجاهدين. مصرُ وما أدراكَ ما مصرُ ؟ إذا ذكَرْتَ مصرَ ذكَرتَ الكعبةَ والبيتَ الحرامً، فإنَّ عمرَ -رضي اللهُ عنه- أرسلَ إلى عاملهِ في مصرَ أنْ يصنعَ كسوةً للكعبةِ المشرفةِ، فصُنعَتْ الكسوةُ في عهدِ عمرَ -رضي اللهُ تعالى عنه- وظلتْ كسوةُ الكعبةِ تُصنعُ هناك، ولم يتوقفْ ذلك إلَّا قبلَ قرابةِ المائةِ سنة.

إذا ذَكَرتَ مصرَ ذكرتَ الحُجاجَ والمعتمرين، فإنَّ البعثةَ الطبيةَ المصريةَ كانتْ في الحجِّ لسنواتٍ طويلةٍ هي أبرزُ ما ينفعُ الحُجاج في علاجهِم، يأتونَ مِن أقطارِ الدنيا لأجلِ أنْ يلتقُوا بهذه البعثةِ المصريةِ. إذا ذكرتَ مصرَ ذكرتَ الدفاعَ عن فلسطين، وذكرتَ الجهادَ والمجاهدين، فصلاحُ الدينِ أقامَ بمصرَ، وأبرزُ المعاركِ مع اليهودِ قادَهَا مصريون، وإذا ذكرتَ مصرَ ذكرتَ السادسَ مِن أكتوبر العاشرَ مِن رمضانَ معركةَ العبورِ .

إذا ذكرتَ مصرَ ذكرتَ أمَّنَا هاجرَ زوجةَ إبراهيمَ -عليه السلامُ- وهي أمُّ إسماعيلَ جدِّ رسولِنَا -عليه الصلاةُ والسلامُ-، هي مصريةٌ مِن القبط، وها هي ماريةُ القبطيةُ زوجةُ رسولِنَا الكريمِ وأمُّ ولدهِ إبراهيم مصريةٌ، فإذا ذكرتَ مصرَ ذكرتَ أخوالَ رسولِنَا، وأصهارَ نبيِّنَا ﷺ .

أيُّها السادة: ذكرَ اللهُ -تعالَى- مصرَ في القرآنِ، وبيّنَ اللهُ -جلَّ وعلا- اسمَهَا صريحةً في أربعةِ مواضع في كتابهِ تشريفًا لها وتكريمًا، فقال اللهُ -جلَّ وعلا-: ))وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ) [يوسف:21]، وقالَ -سبحانَهُ-: ))ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ) [يوسف:99]، وقال -جلَّ وعلا-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا) [يونس:87]، وحكى -جلَّ وعلا- قولَ فرعون: ((أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) ((الزخرف:51].ليس هذا فقط؛ بل أشارَ اللهُ -تعالى- إلى مصرَ ولم يصرّحْ باسمِهَا في ثلاثينَ موضعًا مِن القرآنِ، كقولهِ -جلَّ وعلا-: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا) [القصص:15]، يعني مصر، وقولهِ -جلَّ وعلا-: (وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ) [الأعراف:127]، يعنون مصرَ، إلى آخرِ هذه المواضع

إنَّ مصرَ -أيُّها الأخيارُ- هي الأرضُ الطيبةُ التي قال اللهُ -تعالى- عنها لما طهرَهَا اللهُ مِن فرعونَ وقومهِ((كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ) ((الدخان:25-28.

إنَّ مصرَ هي خزائنُ الأرضِ، بشهادةِ ربِّنَا –جلَّ وعلا- لما قالَ عن يوسفَ -عليه السلامُ-: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف:55(

ولم يذكرْ اللهُ -تعالى- قصةَ نهرٍ في القرآنِ إلّا نهرَ النيلِ، قالَ -جلَّ وعلا-: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) ((القصص:7).

إنَّها مصرُ يا سادة: قال  عنها سيدُنَا عمرُو بنُ العاصِ رضي اللهُ عنه وأرضاهُ ولايةَ مصرَ جامعةً تعدلُ الخلافةَ ,يعني: ولايةُ كلِّ بلادِ الإسلامِ في كفةٍ، وولايةُ مصرَ في كفةٍ.وقال الجاحظُ: إنّ أهلَ مصرَ يستغنونَ بما فيها مِن خيراتٍ عن كلِّ بلدٍ، حتى لو ضُرِبَ بينها وبين بلادِ الدنيا بسورٍ ما ضرَّهَا. اللهُ أكبر وفي أرضِ مصرَ الربوةُ التي أوى إليها عيسى -عليه السلامُ- وأمُّهُ، قالَ -جلَّ وعلا-: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) [المؤمنون:50.وعلى أرضِ مصرَ ضربَ موسُى بعصاهُ الحجرَ فانفجرَ الماءُ منه، وانشقَّ البحرُ لهُ، فكان كلُّ فرقٍ كالطودِ العظيمِ.

ولقد ضربَ اللهُ -تعالى- بأبطالِ مصرَ أمثلةً في كتابهِ، فمِن المصريين مؤمنُ آلِ فرعونَ البطلُ الثابتُ على الحقِّ الذي قال اللهُ -جلَّ وعلا- عنه: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ) [غافر:28].

ومِن المصريين الرجلُ المؤمنُ الذي حذّرَ موسَى -عليه السلامُ مِن فرعونَ وجنودهِ-:))وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) [القصص: 20. نعم، إنَّنِي أتكلمُ عن مصرَ، التي وصّى النبيُّ ﷺ الأمةَ كلَّهَا بهَا وبأهلِهَا، فقال -بأبي هو وأمي-: “إذا افتتحتُم مصرَ فاستوصُوا بالقبطِ خيرًا؛ فإنَّ لهم ذمةً ورحمًا، وفي لفظ:فإنَّ لهم ذمةً وصهرًا)) رواه مسلم. وقال النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلامُ-: إنَّكُم ستفتحونَ مصرَ، أحسِنُوا إلى أهلِهَا؛ فإنَّ لهم ذمةً ورحِمًا“. رواه مسلم.

مصرُ الكنانةُ ما هانتْ على أحدٍ  ***  اللهُ يحرسُها عطفًا ويرعَاها

ندعوكَ يا ربِّ أنْ تحمى مرابعَها   ***   فالشمسُ عينٌ لها والليلُ نجواهَا

مَن شاهَدَ الأرْضَ وأَقْطَارَها   ***   والنَّاسَ أنـواعًا وأجناسًا

ولا رأى مِصْـرَ ولا أهلهَا   ***    فما رأَى الدنيا ولا الناسَ

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية

ثانيًا: مصرُ أولًا ثم جاءَ التاريخُ .

أيُّها السادة: تاريخُ مصرَ هو تاريخُ الحضارةِ الإنسانيةِ حيثُ أبدعَ الإنسانُ المصري وقدَّمَ حضارةً عريقةً سبقتْ حضاراتِ شعوبِ العالمِ، حضارةً رائدةً في ابتكاراتِهَا وعمائرِهَا وفنونِهَا حيثُ أذهلتْ العالمَ والعلماءَ بفكرِهَا وعلمِهَا، فهي حضارةٌ متصلةُ الحلقاتِ، تفاعلَ معها الإنسانُ المصرِي وتركتْ في عقلهِ ووجدانهِ بصماتِهَا. لقد كانتْ مصرُ أولَ دولةٍ في العالمِ القديمِ عرفتْ مبادئَ الكتابةِ وابتدعتْ الحروفَ والعلاماتِ الهيروغليفية، وكان المصريون القدماءُ حريصينَ على تدوينِ وتسجيلِ تاريخِهِم والأحداثِ التي صنعوهَا وعاشوهَا، وبهذه الخطوةِ الحضاريةِ العظيمةِ انتقلتْ مصرُ مِن عصورِ ما قبلَ التاريخِ وأصبحتْ أولَ دولةٍ في العالمِ كلِّهِ لها تاريخٌ مكتوبٌ، ولها نُظُمٌ ثابتةٌ ولذلك اعتُبِرَتْ بكافةِ المعاييرِ أُمًّا للحضاراتِ الإنسانيةِ.

كما أنَّ لمصرَ دورهَا الحضارِي والتاريخِي والدينِي حيثُ كانتْ المكانَ الذي احتضنَ الأنبياء، والأرضَ التي سارتْ خطواتُهُم عليها، فجاء إليها أبو الأنبياءِ إبراهيمُ عليه السلامُ وتزوَّجَ مِن السيدةِ هاجر، وجاءَ إليها يوسفُ عليه السلامُ وأصبحَ فيهَا وزيرًا وتبعَهُ إليهَا أبوهُ يعقوب، ودارَ أعظمُ حوارٍ بينَ اللهِ عزَّ وجلَّ وموسَى عليه السلامُ على أرضِهَا، وإلى مصرَ لجأتْ العائلةُ المقدسةُ السيدةُ مريمُ العذراءُ والسيدُ المسيحُ طفلًا ويوسفُ النجارُ وقامُوا برحلةٍ تاريخيةٍ مباركةٍ في أرضِهَا، وقد اختارَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى مصرَ بالذاتِ لتكونَ الملجأَ الحصينَ الذي شاءتْ السماءُ أنْ يكونَ واحةَ السلامِ والأمانِ على الدوامِ وملتقَى الأديانِ السماويةِ. ولقد تتابعتْ على أرضِ مصرَ حضاراتٌ متعددةٌ فكانتْ مصرُ مهدًا للحضارةِ الفرعونيةِ، وحاضنةً للحضارةِ الإغريقيةِ والرومانيةِ ومنارةً للحضارةِ القبطيةِ، وحاميةً للحضارةِ الإسلاميةِ. ولقد اتسمَ شعبُ مصرَ على طولِ التاريخِ بالحُبِّ والتسامحِ والودِّ والكرمِ الذي تميزَ به هذا الشعبُ حيثُ امتزجَ أبناءُ مصرَ في نسيجٍ واحدٍ متينٍ بفضلِ اللهِ جلَّ وعلا.

ومصرُ أيُّها السادة  هي التي صدرتْ الإسلامَ إلى العالمِ كلِّه بل وحتى إلى البلدِ الحرامِ  التي نزلَ فيها الوحيُ مِن السماءِ وبها جامعُ سيدِنَا عمرو بنِ العاص صاحبِ رسولِ اللهِ ﷺ، وهو أولُ جامعٍ بُنيَ في قارةِ إفريقيا، وقد ضبطَ قبلتَهُ جماعةٌ مِن الصحابةِ قدرُوا بثمانينَ صحابي اجتمعُوا عندَهُ وقتَ بنائهِ وقدرُوا القبلةً فوجهوهُ إليها.

وبها  جامعُ الأزهرِ قبلةُ العلمِ والعلماءِ والذي له الفضلُ المشهورُ، والعلمُ المنثورُ، والتقدمُ الكاسر، والارتفاعُ القاهر، العلماءُ فيه متكاثرون، والعُبادُ فيه قائمون، والزوارُ إليه متوافدون. وبها جامعتُهُ العريقةُ التي خرجتْ العلماءَ والدعاةَ الذين نشرُوا العلمَ في كلِّ مكانٍ وللهِ درُّ شوقي :

قُم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأَزهَرا  ***  وَاِنثُر عَلى سَمعِ الزَمانِ الجَوهَرا

وَاِجعَل مَكانَ الدُرِّ إِن فَصَّلتَهُ  ***  في مَدحِهِ خَرَزَ السَماءِ النَيِّرا

وَاِذكُرهُ بَعدَ المَسجِدَينِ مُعَظِّمًا ***  لمَساجِدِ اللَهِ الثَلاثَةِ مُكبِرا

 إنَّها مصرُ يا سادة التي  قادتْ الأمةَ الإسلاميةَ أكثرَ مِن خمسٍ وستين ومائتي سنة، ظلّتْ الخلافةُ في مصرَ منذُ انقطاعِ الخلافةِ مِن بغداد في سنةِ ستٍ وخمسينَ وستمائةِ للهجرةِ إلى انتقالِ الخلافةِ إلى العثمانيين بتركيَا سنةَ أربعٍ وعشرين وتسعمائةِ للهجرةِ.

إنَّها مصرُ ياسادة التي أوقفتْ الحملةَ الصليبيةَ على يدِ صلاحِ الدينِ الأيوبِي، وقهرتْ المغولَ والتتارَ على يدِ سيفِ الدينِ قُطز، وأنهتْ آمالَ الحملةِ الفرنسيةِ، وحطمتْ خطَّ بارليف في السادسِ مِن أكتوبر بقيادةِ قواتِهَا المسلحةِ الباسلةِ، إنَّها مصرُ ياسادة.

قَارَنْتُ مِصْـرَ بِغَيْـرِهَا فَتَـدَلَّلَتْ *** وَعَجَزْتُ أَنْ أَحْظَـىَ لَهَـا بِمَثِيْلِ
هَذِيْ الْحَضَارَةُ مُعْجِزَاتٌ فيِ الوَرَىَ *** عَقِمَ الزَّمَـانُ بِمِثْلِهَـا كَبَدِيْـلِ
رَفَعَ الإِلَـهُ مَقَـامَهـَا وَأَجَـلَّـهُ *** فِيْ الذِّكْرِ وَالتَّـوْرَاةِ وَالإِنْجِـيْلِ
جَاؤوا بِيُوْسُفَ مِنْ غَيَـاهِبِ ظُلْمَةٍ *** أَرْضَ العَزِيْزِ فَكَانَ خَيْـرَ نَزِيْـلِ
والنِّيلُ يَتْبَـعُ وَحْـيَ مُنْشِئِ قَطْـرِهِ *** كَالطَّيْرِ حِيْنَ الوَحْيِ عَامَ الفِيْـلِ
فـيِ طُـوْرِ سَيْنَاء تَجَلَّـىَ رَبّـُنَا *** فـوْقَ الكَلِيْـمِ بِـأَوَّلِ التَّنْزِيـلِ
وَكَذَا البَتُـولُ أَتَـتْ لِمِصْرٍ بِابْنِهَا *** تَبْغِي الأَمَـانَ وَتَحْتَـمِي بِمَقِـيلِ
يَكْفِيْكِ يَـا أَرْضَ الـكِنَانةِ هَاجَرٌ *** مِيلِى بِتـِيهٍ يَــا كِنَانَـةُ مِيلـِي
يا (أُمَّ إِسْمَاعِيْلَ) وَصْلُـكِ وَاجِبٌ *** مَنْ عَقَّ مِصْـرَ فَقَـدْ أَتَـىَ بِجَلِيلِ
هَـذِيْ عِنَايَةُ قَـادِرٍ خُصَّـتْ بِهَا *** مِصْرٌ لِتَبْقَـى مَوْضِـعَ التَّفْضِـيلِ
بُـوْرِكْـتِ يا مِصْـرُ فَلاَ أَرَانِيَ بَالِغًا *** حَقَّ الْمَدِيحِ وَإِنْ جَهَدْتُ سَبِيلِي
يَا مِصْرُ يَرْعَاكِ الإِلَـهُ كَمـَا رَعَىَ *** تَنْـزِيلَهُ مِـنْ عَـابِثٍ وَدَخِـيْلِ

أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم

الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  …………………… وبعدُ

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية

ثالثًا وأخيرًا : مصرُنَا مَسْؤولـيّةُ الجميعِ.

أيُّها السادة : مهما تحدثتُ عن مصرَ ومهما أوتيتُ مِن فصاحةٍ وبيانٍ فلن أوفيهَا حقَّهَا وكيف لا ؟ مصرُ المحافظةُ عليها دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ نقولُهَا بملءِ الأفواهِ ،وكيف لا؟ وحبُّ الوطنِ مِن هديِ النبيِّ العدنانِ  والنبيين الأخيارِ، والدفاعُ عن الوطنِ مطلبٌ شرعيٌ، وواجبٌ وطنيٌ، ومَسْؤولـيّةٌ ووَفَاءٌ تقعُ على عاتقِ الجميعِ ،وللهِ درُّ القائل

مصرُ التي في خاطِرِي وفى فمِي ****أحبُّهَا مِن كلِّ روحِي ودمِى

 

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ، وَكُونُوا لِوَطَنِكُمْ مصر هَذَه خَيْرَ بُنَاةٍ، وَلِمُقَوِّمَاتِهِ وَأُسُسِهِ حُمَاةً، رَاعُوا نُظُمَهُ وَقِيَمَهُ، وَأَوْفُوا بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ.وقِفُوا صَفًّا واحِدًا فِي وَجْهِ كُلِّ مُرْجِفٍ، وَتَنَبَّهُوا لِسَعْيِ كُلِّ مُفْسِدٍ، اغْرِسُوا فِي أَبنَائِكُمْ حُبَّ الوَطَنِ وَالاعتِزَازَ بِإِنْجَازَاتِهِ الحَاضِرَةِ وَمَجْدِهِ التَّلِيدِ، حَتَّى يُحَقِّقُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَعْنَى المُوَاطَنَةِ الصَّالِحَةِ، فَهُمْ أَمَلُ الوَطَنِ وَبُنَاةُ الغَدِ.

فاللهَ اللهَ في الأوطانِ، اللهَ اللهَ في مصرَ وأهلِهَا، اللهَ اللهَ في قواتِنَا المسلحةِ وشرطتِنَا الساهرةِ على حمايةِ أوطانِنَا، اللهَ اللهَ في كلِّ غيورٍ محبٍّ لوطنهِ، اللهَ اللهَ في التضحيةِ مِن أجلِ الأوطانِ، اللهَ اللهَ في المحافظةِ على مصرِنَا، اللهَ اللهَ على كلِّ مواطنٍ يعملُ لرفعةِ وطنهِ.

حفظَ اللهُ مصرَ قيادة وشعبا من كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

                    كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه

د/ محمد حرز

 إمام بوزارة الأوقاف

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »